سورة مريم - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


قوله تعالى: {ذلك عيسى ابن مريم} قال الزجاج: أي، ذلك الذي قال: إِني عبد الله، هو ابن مريم، لا ما تقول النصارى: إِنه ابن الله، وإِنه إِله.
قوله تعالى: {قولَ الحق} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وحمزة، والكسائي: {قولُ الحق} برفع اللام. وقرأ عاصم، وابن عامر، ويعقوب: بنصب اللام. قال الزجاج: من رفع {قولُ الحق} فالمعنى: هو قولُ الحق، يعني هذا الكلام؛ ومن نصب، فالمعنى: أقول قول الحقّ. وذكر ابن الأنباري في الآية وجهين.
أحدهما: أنه لما وُصف بالكلمة جاز أن يُنعت بالقول.
والثاني: أن في الكلام إِضماراً، تقديره: ذلك نبأُ عيسى، ذلك النبأ قول الحق.
قوله تعالى: {الذي فيه يمترون} أي: يشكُّون. قال قتادة: امترت اليهود فيه والنصارى، فزعم اليهود أنه ساحر، وزعم النصارى أنه ابن الله وثالث ثلاثة. قرأ أبو مجلز، ومعاذ القارئ، وابن يعمر، وأبو رجاء: {تمترون} بالتاء.
قوله تعالى: {ما كان لِلهِ أن يتَّخِذ مِن ولد} قال الزجاج: المعنى: أن يتخذ ولداً. و{مِنْ} مؤكِّدة تدل على نفي الواحد والجماعة، لأن للقائل أن يقول: ما اتخذت فرساً، يريد: اتخذت أكثر من ذلك، وله أن يقول: ما اتخذت فرسين ولا أكثر، يريد: اتخذت فرساً واحداً؛ فإذا قال: ما اتخذت من فرس، فقد دلَّ على نفي الواحد والجميع.
قوله تعالى: {كن فيكون} وقرأ أبو عمران الجوني، وابن أبي عبلة: {فيكونَ} بالنصب، وقد ذكرنا وجهه في [البقرة 117].
قوله تعالى: {وإِنّ الله ربِّي وربُّكم} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {وأنّ الله} بنصب الألف. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {وإِن الله} بكسر الألف. وهذا من قول عيسى؛ فمن فتح، عطفه على قوله: {وأوصاني بالصَّلاة والزَّكاة} وبأن الله ربّي؛ ومن كسر، ففيه وجهان.
أحدهما: أن يكون معطوفاً على قوله: {إِنِّي عبد الله}.
والثاني: أن يكون مستأنفاً.


قوله تعالى: {فاختلف الأحزاب مِنْ بينهم} قال المفسرون: {مِنْ} زائدة، والمعنى: اختلفوا بينهم. وقال ابن الأنباري: لما تمسَّك المؤمنون بالحق، كان اختلاف الأحزاب بين المؤمنين مقصوراً عليهم.
وفي الأحزاب قولان:
أحدهما: أنهم اليهود والنصارى، فكانت اليهود تقول: إِنه لغير رِشْدَةٍ، والنصارى تدَّعي فيه ما لا يليق به.
والثاني: أنهم فِرَق النصارى، قال بعضهم: هو الله، وقال بعضهم: ابن الله، وقال بعضهم: ثالث ثلاثة.
قوله تعالى: {فويل للذين كفروا} بقولهم في المسيح {مِنْ مَشْهَدِ يومٍ عظيمٍ} أي: من حضورهم ذلك اليوم للجزاء.
قوله تعالى: {أَسْمِع بهم وَأَبْصِرْ} فيه قولان:
أحدهما: أن لفظه لفظ الأمر، ومعناه الخبر؛ فالمعنى: ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة، سمعوا وأبصروا حين لم ينفعهم ذلك لأنهم شاهدوا من أمر الله ما لا يحتاجون معه إِلى نظر وفِكر فعلموا الهدى وأطاعوا، هذا قول الأكثرين.
والثاني: أَسْمِع بحديثهم اليوم، وأبصِرْ كيف يُصنَع بهم {يوم يَأتوننا}، قاله أبو العالية.
قوله تعالى: {لكن الظالمون} يعني: المشركين والكفار {اليومَ} يعني: في الدنيا {في ضلال مبين}.
قوله تعالى: {وأَنْذِرهم} أي: خوِّف كفَّار مكة {يومَ الحسرة} يعني: يوم القيامة يتحسَّر المسيء إِذ لم يُحْسِن، والمقصِّر إِذ لم يَزْدَدْ من الخير.
وموجبات الحسرة يوم القيامة كثيرةٌ، فمن ذلك ما روى أبو سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، قيل: يا أهل الجنة، فيشرئِبُّون وينظرون، وقيل: يا أهل النار فيشرئبُّون وينظرون، فيُجاء بالموت كأنه كبش أملح، فيقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: هذا الموت، فيُذبَح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت؛ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وأَنذِرهم يومَ الحسرة إِذْ قُضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون}». قال المفسرون: فهذه هي الحسرة إِذا ذُبِح الموت، فلو مات أحد فرحاً مات أهل الجنة، ولو مات أحد حزناً مات أهل النار.
ومن موجبات الحسرة، ما روى عديُّ بن حاتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يؤتى يوم القيامة بناسٍ إِلى الجنة، حتى إِذا دَنَوْا منها واستنشقوا ريحها ونظروا إِلى قصورها، نودوا: أن اصرفوهم عنها، لا نصيب لهم فيها، فيرجعون بحسرةٍ مَا رَجَعَ الأوَّلُون بمثلها، فيقولون: يا ربنا لو أدخلْتَنا النار قبل أن تُرِيَنا ما أريتَنا كان أهون علينا؛ قال: ذلك أردتُ بكم، كنتم إِذا خَلَوْتُمْ بارزتموني بالعظائم، وإِذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين، تراؤون الناس بخلاف ما تعطوني من قلوبكم، هِبْتم الناس ولم تهابوني، وأجللتم الناس ولم تُجِلُّوني، تركتم للناس ولم تتركوا لي، فاليوم أُذيقكم العذاب مع ما حرمتكم من الثواب».
ومن موجبات الحسرة ما روي عن ابن مسعود قال: ليس من نفس يوم القيامة إِلا وهي تنظر إِلى بيت في الجنة، وبيت في النار، ثم يقال: يعني لهؤلاء: لو عملتم، ولأهل الجنة: لولا أن منَّ الله عليكم. ومن موجبات الحسرة: قطع الرجاءِ عند إِطباق النار على أهلها.
قوله تعالى: {إِذ قُضي الأمر} قال ابن الأنباري: {قُضي} في اللغة بمعنى: أُتقن وأُحكم، وإِنما سمِّي الحاكم قاضياً، لإِتقانه وإِحكامه ما ينفِّذ. وفي الآية اختصار، والمعنى: إِذ قضي الأمر الذي فيه هلاكهم.
وللمفسرين في الأمر قولان:
أحدهما: أنه ذبح الموت، قاله ابن جريج، والسدي.
والثاني: أن المعنى: قُضي العذاب لهم، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {وهم في غفلة} أي: هم في الدنيا في غفلة عما يُصنَع بهم ذلك اليوم {وهم لا يؤمنون} بما يكون في الآخرة.
قوله تعالى: {إِنّا نحن نرث الأرض} أي: نُميت سكَّانها فنرثها {ومَنْ عليها وإِلينا يُرْجَعون} بعد الموت.
فإن قيل: ما الفائدة في {نحن} وقد كفت عنها {إنّا}؟
فالجواب: أنه لما جاز في قول المعظَّم: إِنّا نفعل أن يوهم أن أتباعه قعلوا، أبانت {نحن} بأن الفعل مضاف إِليه حقيقة.
فإن قيل: فلم قال: {ومَنْ عليها} وهو يرث الآدميين وغيرهم؟!
فالجواب: أن {مَنْ} تختص أهل التمييز، وغيرُ المميِّزين يدخلون في معنى الأرض ويجرون مجراها، ذكر الجوابين عن السؤالين ابن الأنباري.


قوله تعالى: {واذكر في الكتاب إِبراهيم} أي: اذكر لقومك قصته. وقد سبق معنى الصِّدِّيق في [النساء: 69].
قوله تعالى: {ولا يغني عنكَ شيئاً} أي: لا يدفع عنكَ ضرّاً.
قوله تعالى: {إِني قد جاءني من العِلْم} بالله والمعرفة {مالم يأتك}.
قوله تعالى: {لا تعبد الشيطان} أي: لا تُطعه فيما يأمر به من الكفر والمعاصي. وقد شرحنا معنى {كان} آنفاً. و{عَصِيّاً} أي: عاصياً، فهو فعيل بمعنى فاعل.
قوله تعالى: {إِني أخاف أن يَمَسَّكَ عذاب من الرحمن} قال مقاتل: في الآخرة؛ وقال غيره: في الدنيا، {فتكونَ للشيطان وليّاً} أي: قريناً في عذاب الله، فجرت المقارنة مجرى الموالاة. وقيل: إِنما طمع إِبراهيم في إِيمان أبيه، لأنه حين خرج من النار قال له: نِعْمَ الإِله إِلهك يا إِبراهيم، فحينئذ أقبل يعظه، فأجابه أبوه: {أراغبٌ أنتَ عن آلهتي يا إِبراهيم}! أي: أتارك عبادتها انت؟! {لئن لم تنته} عن عيبها وشتمها {لأرجمنَّك} وفيه قولان:
أحدهما: بالشتم والقول، قاله ابن عباس، ومجاهد.
والثاني: بالحجارة حتى تتباعدَ عني، قاله الحسن.
قوله تعالى: {واهجرني مليّاً} فيه قولان:
أحدهما: اهجرني طويلاً، رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس، وبه قال الحسن، والفرَّاء، والأكثرون. قال ابن قتيبة: اهجرني حيناً طويلاً، ومنه يقال: تَمَليّت حبيبك.
والثاني: اجتنبني سالماً قبل أن تصيبَك عقوبتي، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والضحاك؛ فعلى هذا يكون من قولهم: فلان مليٌّ بكذا وكذا: إِذا كان مضطلعاً به، فالمعنى: اهجرني وعرضك وافر، وأنت سليم من أذايَ، قاله ابن جرير.
قوله تعالى: {قال سلام عليكَ} أي: سَلِمتَ من أن أُصيبَك بمكروه، وذلك أنه لم يؤمَر بقتاله على كفره، {سأستغفر لكَ ربِّي} فيه قولان:
أحدهما: أن المعنى: سأسأل الله لك توبةً تنال بها مغفرته.
والثاني: أنه وعده الاستغفار وهو لا يعلم أن ذلك محظور في حقّ المُصرّين على الكفر، ذكرهما ابن الأنباري.
قوله تعالى: {إِنه كان بي حفيّاً} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: لطيفاً، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال ابن زيد، والزجاج.
والثاني: رحيماً، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: بارّاً عوّدني منه الإِجابة إِذا دعوتُه، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {وأَعتزِلُكم} أي: وأتنحَّى عنكم، {و} أعتزلُ {ما تدعون من دون الله} يعني: الأصنام.
وفي معنى {تَدْعُون} قولان:
أحدهما: تَعْبُدون.
والثاني: أن المعنى: وما تدعونه ربّاً، {وأدعو ربِّي} أي: وأعبُده {عسى ألاَّ أكون بدعاء ربِّي شقيّاً} أي: أرجو أن لا أشقى بعبادته كما شَقِيتُم أنتم بعبادة الأصنام، لأنها لا تنفعهم ولا تُجيب دعاءَهم {فلما اعتزلهم} قال المفسرون: هاجر عنهم إِلى أرض الشام، فوهب الله له إِسحاق ويعقوب، فآنس الله وحشته عن فراق قومه بأولادٍ كرامٍ. قال أبو سليمان: وإِنما وهب له إِسحاق ويعقوب بعد إِسماعيل.
قوله تعالى: {وكلاً} أي: وكلاًّ من هذين. وقال مقاتل: {وكلاَّ} يعني: إِبراهيم وإِسحاق ويعقوب {جعلناه نبيّاً}.
قوله تعالى: {ووهبنا لهم من رحمتنا} قال المفسرون: المال والولد والعِلْم والعمل، {وجعلنا لهم لسان صِدْق عليّاً} قال ابن قتيبة: أي: ذِكْراً حَسَناً في النّاس مرتفعاً، فجميع أهل الأديان يتولَّون إِبراهيم وذريَّته ويُثنون عليهم، فوضع اللسان مكان القول، لأن القول يكون باللسان.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7